( الأم صابرين )
عندما كنت أدخل عليها فأجدها تجلس علي كرسي خشبي قديم في ركن من حجرة نومها وتستقبل قبلة الصلاه كعادتها
فهي كانت في الثمانين من عمرها
وعندما آراها أشعر بأنني أمام ملاك جميل في صورة سيده… فهي كالقمر المضئ والبدر في تمامه فقلبي وروحي يستريحان عندما اجلس وأتحدث معها…
فكانت عادة ترتدي جلبابا ناصع البياض وعلي رأسها طرحه شيفون بيضاء وينسدل من أسفلها بعض الخصلات الخفيفه من شعرها الأبيض الذي يتناغم مع جبهتها المضيئه فأتخيله كسلاسل من الفضه اللامعه
وتمسك بيدها سبحه خشبيه بنية اللون ذات المائة حبه والتي تقوم بالتسبيح عليها ليل نهار دون أنقطاع ولا تتركها من يدها الا في حالة أن تغرق في نومها فتقع من يدها السبحه دون أن تدري
ولكن عندما تستيقظ في اي وقت من الليل تبحث عنها بيدها وتمسكها وتقبلها وتكمل تسبيحها مرة أخري حتي يغلبها النوم..
وتضع أمامها حامل معدني عليه مصحف كبير لتقضي معظم وقتها في قراءة القرآن الكريم
mother-struggle-story-Egypt- اجمل قصص عن الام في عيد الام 21 مارس 2019 |
هذه السيده تزوجت بعمر خمسة عشر عاما من رجل طيب السمعه يكبرها بعشرون عاما وكان يعمل بأحدي المصانع موظف بسيط
ومرت السنوات وأنجبت منه العديد من البنين والبنات وعاشت في خدمتهم جميعا وارضاءهم وتدبير متطلباتهم برغم قصر اليد وضعف المرتب لزوجها وضيق الحال
وأستمر بهم الحال لسنوات وأصبح أولادها في مراحل التعليم المختلفه بالمدارس
( ولكن الله آراد… ولا راد لقضاء الله )
توفي الزوج وهي في سن السابعه والعشرون من عمرها في ريعان شبابها وأجمل سنين عمرها وترك لها ميراثا ثقيلا جدا وهو خمسة أولاد ذكور وأناث… ومعاش صغير من عمله لا يكفيهم سبعة أيام في الشهر..
تقدم لزواجها شباب ورجال كثيرون من العاله ومن خارجها لأنها كانت شديدة الجمال وتعتبر أحلي زهرة في بستان العاله
ولكنها رفضتت أن تتزوج بعد وفاة زوجها ويدخل رجل غريب علي اولادها
عاشت لهم ومن أجلهم وكرست وقتها وعمرها وشبابها لهم وتناست أنوثتها وأنها أنثي صغيره جميله يفتتن بها كثير من الرجال
أغلقت جميع الأبواب عليها وعلي أولادها وأنقطعت عن كل شئ يشغلها عنهم وعن تربيتهم وغرست في أنفسهم الأيمان والتقوي والخوف من الله والرضا والقناعه والصبر…
كبروا الأولاد وتخرج الكبير من الجامعه وتم تعينه في وظيفه حكوميه ثم لحقه الأخ الثاني
وزوجت أبنتان من بناتها وسافروا الي بلد عربي وأصبح الحال أفضل مما كانوا عليه من قبل…
( ولكن الله آراد… ولا راد لقضاء الله )
أراد أبنها الكبير أن يكمل نصف دينه ويتزوج فباركت أمه زواجه وحددوا ميعاد الفرح وقامت أحدي شقيقاته بشراء بدلة الفرح ومستلزماتها من البلد العربي الشقيق التي كانت تعيش فيه وكانت تحضر نفسها وزوجها واولادها للحضور الي مصر لحضور فرح اخيها الكبير
وكالعاده ذهب العريس ومعه أخواه الشباب الي الجامع ليصلوا الفجر جماعه بالمسجد كما عودهم والدهم ووالدتهم علي ذلك منذ كانوا اطفالا
وقبل أن ينتهي العريس المنتظر من صلاته السر الآلهي سبقه الي ربه وهو ساجد بين يدي الله وأنتقل الي الرفيق الأعلي لكي يصبح عريس في السماء
أصيبت الأم بالجنون والفزع والهلع ومرضت لرحيل أبنها البكري…
وحضرت أخته من السفر ومعها بدلة الفرح ولكن آرادة الله أن يتزوج من حوريات العين بالجنه…
مر عام علي رحيل البكري وذهبت الأم الي الآراضي الحجازيه لآداء فريضة الحج لكي يبرد الله قلبها من النار المشتعله به علي فراق أبنها
وأخذت تحفظ القرآن الكريم وأسماء الله الحسني وتقربت الي الله أكثر وأكثر
ومرت السنين وزوجت أبنها الأوسط ورزقه الله بطفله جميله شبه جدتها وكانت تهون عليها كثيرا من الألم والأحزان
( ولكن عندما يريد الله… فلا ردا لقضاءه )
وجاء اليها نبأ أصابة أبنها الأوسط بمرض لعين مما جعله طريح الفراش ولا يسطيع أن يتحرك من مكانه ..
فنزل عليها الخبر كالسهم الذي مزق قلبها قطعا صغيره
ولكنها صبرت علي أرادة الله وحكمه وقضاءه… وتكفلت برعاية أبنها المريض وزوجته وأبنته ولكن لست كثيرا فقد وافته المنيه سريعا ولحق بأخوه البكري في مقعد صدق عند مليك مقتدر…
عاشت الأم المكلومه ترعي أبنها الثالث وزوجة أبنها الثاني وحفيدتها وسلمت أمرها لله الذي لا يغفل ولا ينام…
وعندما تخرج اصغر اولادها من الجامعه وهو المتبقي من أولادها الذكور مدت يدها له لكي تساعده ليبني مستقبله فأقترضت من البنك مبلغ من المال بضمان معاشها من زوجها لكي تفتح مشروعا صغيرا لأبنها ليساعده علي المعيشه
( ولكن الله آراد… ولا راد لقضاء الله )
تم فتح المشروع بفضل من الله ونجح أبنها في أدارته وقام بتسديد جزء من أقساط القرض للبنك وعند عودته للمنزل مساءا وهو مجهد وفكره مشغول أذ بعربه مسرعه تأتي نحوه فترميه أرضا صريعا فاقد النطق وأذ به يلحق بأخواه في السماء…
ومن فضل الله علي هذه الأم أن رزقها بالصبر والرضا والسلوان حتي قابلتهم هي الآخري وأحتسبهم جميعا في الفردوس الأعلي…
فأسئل هذه الأم
أي أم وأنسانه أنتي لكي تتحملي كل هذا ؟
وما هذا الأيمان وقوته الذي كان في قلبك ؟
وما كل هذا الرضا والصبر ؟
أأنتي بشريه مثلنا ؟ أم أنتي ملاكا من السماء لكي تعلمينا وتسقينا الصبر والرضا ؟
بقلم:نجاة فؤاد البهلول
قصة حقيقة عن الام المصرية وكفاحها - قصص واقعية من المجتمع المصري عن الام وكفاحها
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رئيك:
اخي الزائر الكريم اذا كنت زائر جديد هنا ، افئنت ضيف عزيز علينا وأنت مهم جداً بنسبة لنا،
فلا تبخل علينا ولو بترك تعليق او مشاركة هذا الموضوع ، فنحن نحب تعليقاتكم وإنتقادكم لمواضيعنا كحبنا لزيارتكم هنا وأكثر .^-^ ضع بصمتك...